حُكْمُ الكَبير-مقال

 

حُكْمُ الكَبير-مقال

بقلم / عبده عبد الجواد

نفرح جميعا بحديث أطفالنا حين يبدأون الكلام ونسمعهم بلهفة، وبعد سنوات يكبرون ، وحين يُكثِرون الثرثرة والأسئلة نُفّضِلْ أن نُصمتهم بلعبة أو بفيلم كارتون بأحد القنوات بدلا من إجابة الأسئلة ، ثم نسخر من عقولهم كشباب ،وفى الغالب لا نحترم أو نسمع أفكارهم ، لأنهم في عيوننا أطفال وإلى الأبد،وكذلك يتصرف الكبير في بلداننا رئيساً أو مديراً- بنفس الفكر، ويخشى اختيارهم في مناصب قيادية أو وزارية أو ادارية ، ويحذرنا جميعا هاتف داخلي " سيخربونها " والسؤال : هل بناها الشيوخ ؟! وهل تقدمت بلداننا بفكرنا نحن الكبار ؟! وقبل أن نلوم الكبير أو المديرببلداننا فهل لام كل منا نفسه ككبير لبيته على عدم سماع آراء أبنائه أوعدم تنمية الشخصية القيادية بهم ؟!

أفيقوا يا سادة من الخطب الرنانة التي دائما ما نرددها كالببغاء " ان الشباب هم أمل الغد وحُماة المستقبل و.. و.. " فكيف ذلك  ونحن نربيهم حتى يتخرجوا من الجامعات على أنهم طلاب فقط، وداخل البيت لا يتكلمون ولا يُستشَارون أو يشاركون،وظروفنا المادية كآباء لايعلمون عنها شيئا،ولا نحملهم مسئولية مساعدتنا بالعمل خلال الصيف -على الأقل ليتعلمون ويشعرون بايقاع الحياة ، ونحاصرهم حتى خارج المنزل بنصائحنا، بعدم الكلام أو الاشتراك فى أى أنشطة دينية او سياسية داخل الجامعة خوفا عليهم من الملاحقة الأمنية !

الدور فى فصول الرواية

 وهكذا تمر السنين ولايعلم الشاب شيئاً عن الحياة سوى كلمات حفظها فى اطار الدور الذى حُدِد له كطالب فنجح ، وبعدها بأيام لايعرف ولايذكر ما نجح فيه .. ذلك هو الفصل الأول من رواية الفشل المجتمعى !

ويبدأ الفصل الثانى ليبحث كبير البلاد عن قادة ليعاونوه، فالمشاكل جسيمة ومتراكمة منذ سنوات لذا فهو يريد أصحاب فكر راقى ممن يبتكرون فى إيجاد حلول خارج الصندوق .. يريد أبطالا يحملون ويتحملون،فلا يجد سوى من سُرِقَ من عقولهم صندوق الأفكار أو لايدرون ماهو!

،ولايجد أبطالا بل مجرد كومبارس لايصلحون ،ولايثق فى قدراتهم فيحجبهم عن تولى أدوار القيادة لذا فأغلب الحكومات والمحافظين والذى يتعدى عددهم الستين وزيرا - بالكاد تجد منهم شباباً يُكملون أصابع يدك ، وهذه الفئة القليلة  إما : ممن أنفق عليهم أهلهم -الأغنياء أو الكبار- فتعلموا تعليما خاصاً ، وهم بسجل تاريخ أهلهم ونسبهم السابق كمسئولين ووزراء -ورثتهم- كأهل للثقة والاختيار!

، وإما : ممن إهتم بهم -أهلهم الفقراء-وقاموا بتربيتهم بثقافة عصرهم وخالفوا نهج السلف من الآباء والأجداد وتركوا لهم مساحة الحرية الفكرية والابداع لتطوير مواهبهم خارج نطاق الحفظ والامتحانات ففرضوا أنفسهم للترشح بتفوقهم العلمى وذكائهم الاجتماعى فصاروا رجالا وقادة .

وللفشل الإداري مؤشرات !

فرض واقعنا العربي على الكبير أن يُرَشِح الكبير الذى يعاونه أو يخلفه كما اختاره سابِقُه بنفس المنطق والاسلوب بأن يعتمد على أهل الثقة أولا ثم أهل الخبرة- أوما يظنهم كذلك- أما الكفاءة فستأتي بالممارسة مع الأيام أو لاتجيىء -ليس هذا الأمر بالأهمية ، والدليل عمر رؤساء الحكومات والوزراء والمديرين في بلداننا والذى أغلبهم يتجاوزالستين وأعيدوا مرة أخرى لممارسة العمل ، فقد ندرت القيادات الادارية الشابة القادرة والتى يمكننا الاعتماد عليها !

وهكذا الادارة فى بلداننا من أعلى المستويات بالدول الى مستوى مديرى المؤسسات والادارات الفرعية وأسلوب اختيار من يدير ومن الكبير، فجاء حكم الكبيربفكر عتيق فى القوانين والأنظمة الادارية التى تضيع العدالة الاجتماعية حيث الثقة والتبعية والعلاقات الشخصية والتقارير السنوية السرية والأقدمية ومعايير أخرى-ليس من بينها الكفاءة-هم الأساس للترقيات وتولى المناصب !

وحفلت مواقع العمل بالمستشارين من المسنين ، والمديرين الذين يعينون بمرتبات تفوق بأضعاف اكبر وأكفأ شخص بالمؤسسة ، والأسباب ليست مجهولة لأحد ، وخبرات أغلبهم لاتزيد عن خبرة (الباز أفندى) ساقط التوجيهية صاحب المكانة الاجتماعية فى فيلم ابن حميدو! ، وهكذا حال المجتمعات الجاهلة ..فهى البيئة والسماء الشاسعة لبزوغ شمس الشخصيات الخاوية !

، بينما ظلت الغالبية من شبابنا خريجي الجامعات يبحثون عن فرصة ، ويُعّذَبْون فى الحصول على كورسات حقيقية ووهمية ويدفعون مبالغ طائلة هنا وهناك لكى يجدون ما يكتبونه تعريفاً لأنفسهم بملف سيرة ذاتية لن يعترف به أحد إلا اذا كانوا تبعاً لأحد الكبار !

، وسنظل نفتح ثغورنا دهشة وعجباً من أجهزة الاعلام- لزمن وربما لأزمان- وهى تملأ آذاننا ليلاً ونهاراً عن أزمانازمان  

الخطط الخمسية التي قاربت عقداً من الزمن تبشر شعوبنا بالرخاء والتنمية والتطور الاقتصادى ونسب البطالة والتضخم والتعليم ، ووطن الأحلام الذى ننتظره جميعا !

ولحين أن يأتى زمان نعترف بمواطن فشلنا ونعمل على علاجها مخلصين لأوطاننا بالعمل الجاد لا بالشعارات والأغانى ، ونفكر فى الاستعانة ببيوت خبرة عالمية متخصصة لتخطط لنا، ونستفيد من خبرة طيورنا المهاجرة حتى لو كانوا مختلفين معنا، ونساعد أبناءنا ونؤمن ببلوغهم سن الرشد ونربيهم على منطق الفكر والقدرة على اتخاذ القرار.. حتى يأتي ذلك الزمان يجب أن نتذكرأننا جميعاً -من نصنع الكبير.. حاكماً أو مديراً .. فهو أحدنا، ومن أوطاننا، وحُكم الحاكم أو أسلوب إدارة المدير ماهو إلا نتاج أسلوب حياتنا وثقافتنا وحصائد أعمالنا.

الاسكندرية فى 24 أكتوبر 2018

تعليقات