فلسفة الحياة فى القليل والكثير-مقال

فلسفة الحياة فى القليل والكثير
القليل ليس دائما الشيء التافه أو مايستحق الاحتقار فقد كان شرب(القليل) من الماء دليل إيمان جنود طالوت،وقد ينجيك من النار شِقْ تمرة ، وكذلك الكثير ليس مدعاة للفخر  فكثرة مالك وفرط سلطانك سيطيل وقت حسابك أمام الله ،ومن يرزق بطفل صالح بار بوالديه خير من كثير عاقين أو فاسدين ، 
والرضا بقضاء الله وقدره من شروط الايمان ، وتقييم ماتملك فى الحياة أهو قليل أم كثير يخضع لعدة اعتبارات تجعلها نسبية من شخص لآخر فى ارتباطها بمستوى سعادته وحد كفايته وعوامل اخرى :
الحيز والنقيض :
 قد يتحكم فى نظرتك وحكمك على الشيىء أنه قليل أو كثير نطاق الحيز الذى يشغله ذلك الشىء وزاوية رؤيتك وتقديرك له فترى الماء قليلا اذا وضع فى اناء كبير بينما لو صببت نفس القدر من الماء فى إناء أصغر ووجدته ممتلئاً فستشعر أنه كثير رغم انها نفس الكمية ! فقناعتك ورضاك عن رزق ربك ولو قليل يملأ إناء ذاتك ويرضيها .
ولن تشعر أنك تتحرك الا إذا نظرت على جسم ساكن ولن تستشعر شدة جمال الأشياء الا اذا رأيت قُبحها،وقد يرضيك مرتبك القليل لأنه يكفيك، وقدتضيق نفسك بسرعة اذا وجدت من هو مثلك فى المؤهلات والخبرات أو أقل ويتقاضى أكثر منك وتتساءل: لم لاأكون مثله وأدخر بدلا من العيش الكَفَافْ ؟!
الحالة النفسية وشدة الحاجة
دائما يُضرب المثل عن الشخص المتفائل بأنه يرى النصف المملوء من الكوب ،والمتشائم لايرى سوى النصف الفارغ فالأمر يتوقف على حالته النفسية ، والظمآن شديد الظمأ يشعر أن بضع قطرات من الماء مهمة وكثيرة ويتناقص هذا الاحساس تدريجيا مع ارتواء ظمئه وتلك نظرية اقتصادية تتعلق بالحاجة وحد الاشباع .
المستوى الاجتماعى والاقتصادى
تجد أن قليلاً من الطعام حتى لو كان مستخرجاً من أكوام القمامة قد يرضى ويسعد أسرة فقيرة والكثير من الطعام الفاخر المتنوع قد لايرضى أفراد أسرة غنية اعتادت أطيب الطعام،وقد تجد بواب أى عمارة فى منتهى السعادة هو وأسرته بتعودهم الجلوس لقليل من الوقت على رصيف العمارة مع نسمات العصر فى الوقت الذى قد لايرضى أسر الأغنياء ولايسعدهم الكثير من الوقت يقضونه فى أفخم المطاعم والمنتزهات على ضفاف النيل أو على شاطيء البحر .
قدر الحاجة والكفاية
لانشعر غالبا بقلة مانملك الا اذا لم يكفى حاجتنا فاذا كفانا ببركة الله فهو كثير، والقليل الذى يكفيك خير من كثير لاتؤدى حق الله فيه بالشكر وتُحاسب عليه ،فلنكن كالصياد فى البحر يرمى شباكه ويرضى بما يرزقه الله قليلا كان أو كثير ، وكما فى الحديث الشريف :(قد أفْلَحَ مَنْ أسلم ، ورُزِقَ كفافاً ، وقَنَّعه الله بما آتاه)- والكفاف:هو حد الكفاية بلا زيادة أو نقصان .
وهكذا فان فلسفة الحياة فى القليل والكثير نسبية 
وتتوقف على عوامل حياتية مختلفة وقد ذكرت الآية الكريمة " كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً باذن الله " (البقرة249) -وهكذا فقوة القلة من الجنود مستمدة من الايمان بعون الله وليس بكثرة عددهم و عدتهم ، وكذلك ذكر القرآن فى موضع آخر" وأعدوا لهم ماأستطعتم من قوة "(الانفال 60)- أى ماتقدرون عليه من جنود وعتاد فالنصر ليس بالكثرة ولكن بقلة مؤمنة بالله وأن النصر حتما من عنده فقط .
وشخصية الانسان هى بمثابة الاناء الذى وفقا لما فيه من ايمان وخبرة وتجربة وقناعة تتشكل نظرته الموضوعية للامور دون إفراط أو مبالغة ويتمكن من جعل المحيطين به من زوجة وأولاد وأصدقاء ومحبين يستقون من هذا الاناء ، ويتأثرون به رغم صعوبة وتنوع الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، تلك النظرة التى بناء عليها ينظر بتفاؤل ويرى جمال كونه ونصف الكوب المملوء من داخله ،ويقنع بحالِهِ ويرضى برزق الله ويستشعر قيمة نعمه ، "وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها"(النحل18) -فدائما ماتُذْكَر النِعم بصيغة المفرد"نعمة الله" فكل نعمة تحتوى على الكثير من النعم لمن يتأمل ويتدبر ،ودائما مايوصف صفوة المؤمنين بأنهم (قليل) لتميز ايمانهم، ويذكر متاع الكافرين من الدنيا بأنه (قليل ) لوضاعة قيمته وان كثر !
ويذكر لفظ (الكثرة)مع الفسوق والاسراف والكفر ، وحتى الكلام (الكثير)- ليس فيه خير- إلا لأمر بمعروف أو صدقة،وقد جعل الله النبى صلى الله عليه وسلم يرى حجم المشركين فى منامه (قليل) ليحفزهم على القتال ،وعفا الله عن (كثير) مما أُخفى عن الناس من الانجيل والتوراة باظهاره ونزوله فى آيات القرآن وكذلك أعاننا على تحمل المصائب التى هى حصائد أعمالنا وفى الموضعين ذكر "ويعفو عن كثير"  (المائدة 15)(الشورى 30(
وأخيرا فان هناك من الأشياء مايجب أن يشغل ذهننا وجود( القليل) منها فى نفوسنا أو فى الآخرين مثل الأمانة والالتزام بالمبادىء والقيم والدين والأخلاق والعدل و..و.. وهناك أشياء أخرى يجب أن يقلقنا وجود (الكثير) منها مثل الفساد والخيانة والجهل والظلم ولايحتاج الأمر بمجتمعاتنا  الى دليل ،فلاتغرنك الكثرة فليست دليل الجودة أو الخير حتى لو اجتمع عليها البشر .
تم النشر على موقع مقال كلاود على الرابط

تعليقات