عصر بلا مُلاك -مقال


 عَصْر بلا مُلاَّك
مقال بقلم/ عبده عبد الجواد

ندفع مئات الجنيهات وربما آلافاً لنمتلك "جيجات" من الانترنت ولا نشعر بملكيتها كأى سلعة ملموسة نشتريها، بل تشعر بها هواتفنا، فتطلق عنانها عبر خوادم الانترنت فنشعر بمردود ما دفعنا ونحس وكأننا صرنا نملك شيئاً!
قال صديقى : بيتنا الذى نعيش فيه منذ طفولتنا بعد أن تركنا بيت جدى ودكان أبى القديم وقد كان أبى ومن بعده أمى يدفعان إيجارهما وكنا نعتبر أنفسنا مُلَّاكاً طُلِبَ منا مؤخراً أن نتركهما لأن عقودهما كانت " حق انتفاع" وليست تمليك ويجب أن ندفع المزيد أو نغادر، فصرنا لا نملك بعد أن قضينا العمر نعتقد أننا ملاك، بينما بقى بيت جدى العتيق شامخاً مملوكاً لورثته!
وقال آخر : عاش أبى طيلة عمره في وظيفة واحدة وقد كنت أسمع منه أن فترة الاختبار لعدة شهور وبعدها يثبت في وظيفته وقد كان حريصاً أن يبحث لنا عن وظيفة حكومية فقد كان وأغلب جيله يؤمنون بأهمية تلك الوظيفة الميرى، وبعد سنوات مازال عقدى مؤقتاً وحين سألت عن تثبيتى في الوظيفة رد الموظف المختص بابتسامة بلهاء " لايوجد عقود دائمة أو تثبيت.. كان زمان"! ، ومنذ سنوات وحتى الآن يلفح وجهى تراب الأيام، ولم أهنأ بشعور التمرغ بتراب الميرى ولم أشعر أننى أمتلك وظيفة!
وقال آخر : كنا نحترم آباءنا وأمهاتنا بنظرة العين دون كلام كانت الدنيا هادئة وكان لهم فى البيت القرار، أما نحن فصرنا نعمل ليل نهار وأبناؤنا بين الدروس الخصوصية والأصحاب وحتى وهُم فى المنزل لا تجتمع وجوهنا ولا تلتقى أعيننا لأنها مشغولة بشاشات الهواتف والترندات.. لا نجتمع حتى على الطعام ولا ينتظرون منا سوى سداد مايُطلب من نفقات ولا نملك كلمتنا، ولا ينتظر منا أحدٌ قراراً!
وقال آخر : كنا نحصل مقابل اصدار شهادات إستثمار من البنوك على شهادات بنكنوت كضمان وإثبات لحقوقنا واليوم لا إثبات سوى قيد بحسابك على الانترنت تفتحه على موبايلك! وعندما سألت موظف البنك على ما يضمن حقى اذا توقف الانترنت أو ضاع رمقنى بنظرة تعجب وكأننى متخلف!
تبدل الزمن وصرنا نمتلك ما لا نشعر به أو نلمسه فنشترى الجيجات ويباع لنا المشاهدات، بينما أغلب ما نشعر به ونلمسه فعلاً لا نمتلكه.. فلا بيتنا، ولا وظيفتنا، ولا دكاننا، ولا قرارنا ملكنا، وكأننا صرنا نمتلك فقط خواءً أو فراغاً وقد كنا قديماً يعلموننا ألا نشترى من وسيط لا يملك السلعة فما حال بائع الجيجات؟!
أما عن مُلاَّك هذا الزمان الحقيقيون فلم يشملهم المقال، فهنا فقط أنا وأنت.
وإلى لقاء قريب باذن الله ،، عبده عبد الجواد

تعليقات