#جِدية_الهَزْل_وهَزْل_الجِدْ!

كرة القدم أصلها هَزْل فهى في النهاية وسيلة لتسلية الإنسان والترفية عنه.. كرة جلدية يتباري في الجرى وراءها أكثر من عشرين رجلا وآخرين ينتظرون الدور للتبديل والإشتراك، وأجهزة فنية وطبية ومدربين ومتخصصون في الأحمال ومحللي مباريات بالفيديو معاونين للمدرب وسماسرة وبائعين للاعبين وملايين تجرى علي الأرض هنا وهناك وأجهزة تسويق ودعاية وإعلان وبرامج رياضية، وقنوات متخصصة في الرياضة فقط ويطلق المعلقون على الملعب "الميدان" ويطلقون على المباراة "الموقعة او المعركة" ويسمون الفوز فيها "بالإنتصار"!

وتنطلق الدوريات والبطولات ..محلية وعالمية لتشغل الناس بل ويتناحرون ويتشاجرون من أجل ناديهم أو لاعبهم المفضل وأحياناً من أجل بلدهم الذى يعيشون فيه!

ووسط هذا الكم الهائل من الهَزْل والعبث يتخفي السياسة ولاعبوها خلف الكواليس فى ثوب الإتحاد الدولى ليطورون قوانين اللعبة بكاميرات مراقبة لجعلها أكثر سرعة وأكثر عدلاً حتى من الحياة ذاتها خارج الملاعب!

هؤلاء هم اللاعبون المحترفون الحقيقيون الذين يديرون العالم من خلال كرة القدم كما في غيرها.. فكبير السياسة والاقتصاد لابد أن يكون كذلك في الكرة أيضاً وخاصة فى أكبر المسابقات ولابد أن يفوز بها أو يكون في وصافة الملك!

ولابد أن يبقي الصغير في وزنه السياسي والدولي والإقتصادى صغيراً أيضاً في ذلك الحدث العالمى!

وخالفت قطر كل القوانين وناطحت الكبار وعرضت تنظيم كأس العالم وهي الدولة الصغيرة جغرافياً قليلة السكان حديثة العهد بالكرة، ولكنها تمتلك الإمكانيات الاقتصادية، وسارت في موكب الهَزْل العالمى الذى يسير فيه العالم كله "بكل جدية" وكأنه صار فعلاَ جد!

وأنفقت الملايين ولم تهتم بمن يُشَّكك في قدراتها وخبراتها في المجال فهى دولة حديثة العهد بالكرة (بالهَزْل)، قديمة العهد بالإلتزام بالدين(أو بالإرهاب) ..نعم فتلك مصطلحات العصر فقد صار الملتزم بالدين وحدود الله متشدداً وإرهابياً وصار لاعب الكرة نجماً وصار رجل العلم والدين مغموراً لايعرفه أحد! .. وأُتهِمَتْ بمنح الرشاوى لبعض الجهات للحصول علي شرف التنظيم وتزكية ملفها وحتى لا يحصل علي (صفر) من لجنة المونديال!

ومر الملف وحازت بشرف التنظيم وأحرجت كل المشككين والمنافقين وتصدرت مشهد الهَزْل رغم أنها ليست كذلك فليس لها منتخب معتبر أو له كيان ولكنها بجملة المصاريف أحضرت أفضل المدربين والمتخصصين في العالم ليبحثوا عن الموهوبين فلابد أن يكون لها فريقاً، حتى نجحت في الفوز بكأس الخليج، وخلال سنوات شيدت الملاعب والتجهيزات اللازمة بفكر راقي إستفادت فيه من تجارب الدول السابقة التى تكبدت مبالغ ضخمة فى بناء الملاعب ثم صارت أماكن مهجورة ولا تستخدم!

وأنشات ملاعب حديثة أغلبها مؤقت من تركيبات تستطيع أن تفككها وتستفيد بها في أبجديات حياة شعبها وإقتصادها فلا حاجة لشعبها القليل العدد ولا إهتماماته- لكل تلك الملاعب فصنعت ملاعب من حاويات لتعود لموانيها مرة أخرى، ومبان سيعاد إستخدامها إجتماعياً بشكل آخر ومدهش!

حاول العالم الهزلي إحراجها.. ذلك الذي يُقدم المثليين علي الأسوياء ويُقدم الخمور كمشروبات روحية ويقدم الجنس علي مائدة الحرية!

وفي اللحظة المناسبة كان الرد المحترف وبنفس لغتهم : "ألا تؤمنون بإحترام الحريات وقيم المجتمع.. نحن حين تأنى لبلادكم نلتزم يقيمها وقوانينها، ونحن لانطلب منكم سوى إحترامنا ومعاملتنا بالمثل" ..كان الجواب دبلوماسياً راقياً دفاعاً عن الدين وقِيَّمه دون أن يُذْكر صراحةً.. تماماً كما يفعلون.. هم يفتتون مجتمعاتنا شِيَّعاً وأقليات ويحاربون الدين بالعلمانيين والشواذ دون تصريح بدعوى الحرية أو الديمقراطية وحقوق الانسان!

وإستغلت قطر الحدث الهَزْلي "البالغ الأهمية" والذى يتصدر كل شاشات الإعلام العالمى لتعرض ديننا وقِيَّمَه في صور مبسطة.. آية أو حديث فى منشور صغير أو هدبة صغيرة وأسمعوهم الآذان وأروهم الصلاة وهى تقام بأحسن الأصوات لديهم، ليفاجأ الجميع ضمن الإفتتاح من خلال الإعلام ذاته الذى شوه العرب ودينهم بآية مترجمة بكافة اللغات تلخص قِيَّم العدل والحب والمساواة لعلهم يفقهون:  "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات 13

ويفاجأ الجميع فى الختام بإلباس الأمير (الثوب العربى) ليغطى ويعلو ثوب وجسد أفضل الموهوبين فى ملاعب الهَزْل ودنيا الهَزْل فى رسالة للعالم!

ما أجمل إحراز الأهداف لصالح الجِدْ في شِبَاْك الهَزْل والعَبَثْ الذى غرقنا ونغرق فيه ليل نهار!

--------------------------------------------------------------------------------------------

الهَزْل: هو عدم الجِدية فى القول أو الفعل أو مخالطته بالمزاح ومصدرها: هَزَلَ ( قاموس المعانى)

--------------------------------------------------------------------------------------------

#مقالات_عبده_عبد_الجواد

#روائع_الفكر_مقالات


 

تعليقات