هل ينتظر أحد الغراب ؟!-مقال

هل ينتظر احد الغراب مقال عبده عبد الجواد
ما أجهل الانسان وهو يستعرض عبثا قُوتَهُ ويظن أن لن يقدر عليه أحد ،رغم ان بعوضة من جند الله تكفى لقتله .. مااجهله وهو يتناسى حقيقة ضعفه فينظر يمينا ويساراً ليحسد ويحقد ويبطش، ويستعمر، ويظلم بأمرعقله أو- بأمر حاكمه !
كان الغراب هو مدرس الانسان الأول بهداية من الله سبحانه وتعالى حين بدأ الصراع والقتال بين بنى آدم من قديم الأزل بقتل قابيل لأخيه بسبب الحسد لرغبته فى الزواج من امرأة يراها الأجمل -بينما كانت من حق أخيه ، فلما خرجت روح أخيه ووجد أمامه جثة هامدة لاتتحرك فاحتار فلم يرى من قبل انسان مثله بلا روح ، فلم يعرف ماذا يفعل؟! .. فلا أحد يستطيع أن يتحمل وجود جثة أعز الأحباب الى جواره لأكثر من ساعات لأن بعدها الروائح والتعفن والأمراض ..فاذا سقط الانسان وذهبت روحه فلا أحد فى الكون يطيقه-من بنى آدم - لاأحد سوى تراب الأرض الذى خلق منه !
بل ان الانسان اذا أصيب بمرض عضال أعاقه عن الحركة يصير كالموتى ، وكل مايربطه بالحياة مجرد أنفاس تخرج وتعود.. عندها يثقل الانسان ولايستطيع أى انسان منفردا حمله أو تحريكه- فما أثقله اذا خارت قواه وأصابه الوهن!
الانسان واختيار الايمان
لقد خلق الله الانسان ذو عقل يفكر ويتأمل ويتدبر ، وحمّله أمانة الارادة فى أن يدير شئون حياته كما يشاء.. يمينا أو يسارا.. خيرا أو شرا..بل أنه جعل له الارادة حتى فى حرية عبادته أو الكفر به.
وصار من بنى آدم من يؤمن بكتب السماء التى أرسلها الله للبشر من خلال أكثر من مائة ألف من الأنبياء والرسل عبر الزمان لتسفر كل جهودهم عن ايمان مايقرب من 55% من بنى آدم أما باقى سكان الأرض فملحدين وعبدة للبقر والشمس والناروغيرهم .. تلك خلاصة جهدهم وتلك مشيئة الله فى كونه الذى قال " ولو شاء الله لهدى الناس جميعا"(الرعد 29) ، "ولو شاء ربك لآمن كل من فى الأرض كلهم أجمعين "(يونس 99) ، ولاأحد يستطيع أن يتساءل : لماذا فعل الله ذلك؟ فسبحانه وتعالى " لايُسأل عما يفعل وهم يُسألون "( الأنبياء 23) ..بل لنا أن ننظر لهذا الكون من حولنا ونتساءل: ماذا فعل بنو آدم بأنفسهم بعدم ايمانهم أو تنوع ايمانهم وعقائدهم حقاً كانت أم باطلا ؟!
فقد شاءت ارادة الله عز وجل أن يكون تقريبا نصف العالم أهل كتاب والنصف الآخر بلا ايمان  ولاكتاب .. بلا عقل ولا فكر .. فأى عقل أو فكر ذاك الذى يقبل أن يعبد بقرة أو نار أو شمس أو تمثال ؟! وأى خير أو عدل أو سلام نحلم أن نراه فى الكون ونصفه أو يزيد لايعبدون الله .
عقل الانسان والآخر والمتناقضات
أجدنى اتوقف طويلا لأفكر فى مشيئة الله ان شاء أن يؤمن الناس جميعا ، وبين تركه للانسان بأن يختار بعقله مايريد وفى علمه الأزلى ماذا سيختار كل انسان ويتركه ليعبده أو يكفر به دون أى اجبار، ولك أن تتصور شكل الكون حيث كل بنو آدم يؤمن بالله وكتبه ورسله فهل ستكون الحياة هادئة بلا قتال أو تصارع ؟
الواقع يقول أن الكون كله قائم على وجود النقائض فتوجد الشمس والقمر ليكون هناك نهار نتحرك ونعمل ونعمر الكون فيه ، ثم ليل للنوم والراحة وتهجد العابدين
يوجد الخير والشر ..توجد الصحة والمرض .. يوجد الجمال والقبح ..  هى بالفعل  متناقصات تظهر القيمة والفرق بينها وبين نقيضها ، فالغنى صاحب المال والسلطان لايستشعر قيمة مايعيش فيه من نِعم، كما يراها الفقير أواذا فقد مايملك  !
وفى النهاية توجد جنة ونار ويوجد ثواب وعقاب تلك نقائض الآخرة غير تلك التى فى حياتنا الدنيا .
الايمان والسلام
ونعود للسؤال: هل لو صار بنو آدم كلهم مؤمنين .. كلهم شىء واحد .. هل كانوا سيشعرون بمعنى ولذة الايمان وهم لايرون سواه فى الكون أم كان لابد من وجود جزء من الكفار والضالين والمضلين  ليشعرون بقيمة ماهم فيه من نِعم ..
ان خلقة بنى آدم وعقله لايشعر بقيمة مايملك الا اذا فقده او رأى نقيض ماهو فيه فى الآخَر.. لابد أن يوجد شىء يقيس عليه بعقله..كم أتعسك وأجهدك عقلك أيها الانسان !
وهكذا فلو كان بنو آدم كلهم مؤمنين ماكان ذلك كافيا ليعيش فى سلام ولاتقاتل مع الآخر فهى خلقته وقضية عقله الذى فى رأسه لابد أن يتأمل ويعرف ما ، ومن حوله.. قضية عقله.. الآخر، وهل هو فى وضع أفضل أم الآخَر ؟
فهل كان أحد أبناء آدم مؤمنا والآخر كافراً لذا قتله ؟ .. لقد كان الحسد أول الأسباب لأول جريمة بشرية فى التاريخ ؟ وحين نستعرض صفحات مختلفة من صفحات التاريخ ففى تاريخ الاسلام والمسلمين تقاتل صحابة النبى على الخلافة (فكانت الرغبة فى السلطة ) وقتل من قتل فى ذلك الصراع ، والان ألم ينشق من المسلمين البعض تحت رايات سوداء وغيرها ويرددون أنهم يطبقون الاسلام الحقيقى ويتهمون الباقين بالكفر ويستحلون دماءهم ، رغم أن الاسلام يأمرهم بقتال الكفار وينهى عن قتل المسلم وقتاله ؟!
فليس توحد الدين او العقيدة أو الجنس البشرى سببا لمنع القتل والقتال أو التنكيل أو الطرد والتعذيب .. انه الانسان الذى قتله عقله وأفكاره قبل أن يقتله الاخر تحت لواء دينى أو مذهبى أو عرقى.. انه الانسان الذى لديه دائما الأسباب والدوافع للقتال والقتل لأخيه من بنى آدم.. فقد أخرج آل لوط من قريتهم ليس لأنهم كُفار بل لأنهم يتطهرون ! وسيظل الصراع .. يوما ما ستُقتل فى ساحة قتال أوعلى فراشك لأن قائد البلد الذى تعيش فيه أصدر قرارا بالقتال بدافع سياسى أو  اقتصادى أو استعمارى فما أتعس الشعوب اذا ابتليت بحاكم جاهل أو متطرف الفكر أو عاشق للسلطة .. ستملأ أذنك الخطب الرنانة والكلمات الحماسية.. انه من أجل تقدم الوطن أو طرد المعتدين أو من اجل غَدٍ أفضل.. لايجيء!
يُقتل المسلمين  فى ماينمار وغيرها من بقاع الأرض لأنهم يرونهم كفاراً حسب عقيدتهم ويستحقون القتل ونحن المسلمين نراهم أيضا كذلك ، وقتل هتلر اليهود لمجرد أنهم يهود ويراهم سبب الفساد فى العالم ، ثم قَتَل أصحاب العاهات والمعاقين ذهنيا وبدنيا  لأنهم من مُعوقات التنمية فلما تحققت النهضة الألمانية فرح الناس بالمال وأُعتُبر القتل مشروعا !
ويرى اليهود بيجين وشارون أبطالا.. فلولا مذابحهم للعرب والمسلمين ما قامت دولتهم وماحسب العرب لها ألف حساب بينما نراهم كعرب- قتلة وسفاحين!
، وهكذا فلوامتلك الانسان القدرة على أن يبطش بالاخر فقليل منهم مايعفو !
سيظل الشباب وكل من استطاع- حمل السلاح- ليخوض الحرب المجيدة ولاتقلق فلو كنت من أهل الكتاب فأنت شهيد أو ستكون بطلاً قُتِلت من أجل الوطن  وستوضع على قبرك الورود وستُقاد الشموع ويُحتفل بك فى يوم الشهيد – لفترة حتى تتبدل الأجيال وتدق من جديد طبول الحرب التى تدمر حتى القبور ويُمحَى التاريخ ويتغير البشر ويتكرر سيناريو القتل والقتال فى كل زمان بأسباب وأهداف جديدة يبررها الحاكم وبطانته والمنتفعين،  وسيظل صراع بنى آدم ويُقتَل ويُطرَد ويُشّرَد الملايين بظلم ظالم أو جهل جاهل لتباين الأفكار والمعتقدات بحقٍ أو بغير حق  أو لأى أسباب ، ويتساقط القتلى وتسيل الدماء ، فما أهون الانسان على الانسان .
وفى النهاية تحفر المقابر الجماعية ويلقى فيها بجثث بنى آدم وتدفن كما القمامة والنفايات فقد تعلموا من أسلافهم فى بدء الخليقة كيف يوارى أخيهم التراب ،
ولم يعد احدهم ينتظر الغراب .
نشر المقال على مقال كلاود على الرابط :

تعليقات