فن التعامل مع الناس في سبعة حروف- مقال

"شكرا "كلمة صغيرة من أربعة أحرف والأصغر منها " آسف" يعبران عن منزلتك الحقيقية بين أنقياء النفوس وأتقياء القلوب وترتبط بمستوى علمك بثقافة الامتنان والاعتذار، هاتان الكلمتان الصغيرتان لا يُجْهِد أي منا النطق بهما ولكن الجُحود والكِبْر هما فقط ما يكبل لسانك فماذا تعرف عن هذه الثقافة؟
ثقافة الامتنان يعبر عنها بالشكر، والشكر نوعان فاذا كان لله عز وجل فالتعبير عنه بالحمد لله على نِعَمِهِ واما إذا كان لبشر فتعبيره كلمة " شكرا" فاذا ثَقُلَتْ على لسانك أو غَلَبَكَ كِبْرُكْ فأقلها ابتسامة لعلك تنال صدقة لتَبَسُمكَ في وجه أخيك، أو لتكن إيماءة بسيطة برأسك أو إشارة بيدك فهل تستطيع؟؟
لابد أن تُعَبّرْ بأي وسيلة فقد أسدى لك شخص معروفا أو أبدى نحوك شعورا طيبا ولو بكلمة أو أعطاك نصيحة أمينة وقت تشتت فكرك وضاقت في عينك الحياة وشعرت وكأن عقلك الذي تتباهى به دائما قد توقف.. تذكر يوم وقف معك وقت شدة.. لا تنسى يومها فقد شعرت رغم زحام البشر وكأنك وحيد ولم تجد سواه يساندك.
اما ثقافة الاعتذار فيعبر عنها بالأسف وهو أيضا نوعان فاذا كان أسفك لله عز وجل فهو التوبة عن ذنب اقترفته في حق الله أو عبد من عباده، واما ان كان لبشر فتعبيره "آسف" فاذا عجزت أن تنطق بها مع ربك توبة فانت ضال وجاحد لنعم الله وقدرته ومساحة عفوه عنك، وتجاوزه وامهاله سبحانه وتعالى لعلك يوما تعود وتتوب.
وإذا عجزت أن تنطق بها لبشر فانت حتما متكبر ويجب إعادة حساباتك مع نفسك وتلبسها ثوب التواضع.
فمالذى يمنعنا من التعبير عن الامتنان أو الاعتذار؟ وهل يكون ذلك مع الكبير والصغير؟
غالبا ما نظن ان الشكر لمن هم مثلنا في العمر او المكانة الاجتماعية فقط أما من هم أقل منا فيصعب علينا الأمر فيظن صاحب العمل أن شكره لعامله يقلل من قدره وقد يكلفه ماديا حيث معناه انتظاره لمكافأة اجادة.
 وإذا اعتذر له لأي موقف في العمل فذلك معناه الذل والخضوع والتقليل من شأنه أمام العمال -على غير الحقيقة- ذلك لأن من لم يشكر الناس لم يشكر الله، وان الكلمة الطيبة صدقة، وتَبَسُمُكَ في وجه أخيك صدقة فماذا أنت فاعل الآن؟
واذا كان من هو أقل منك ينتظر مالا فزوجتك وابنائك وأخيك وصديقك وجارك ومن قبلهم أبيك وأمك لا ينتظرون منك أي ماديات فقط كلمة شكر او اعتذار لتطيب النفوس وتصفو ،فاذا كنت ما زلت لا تستطيع النطق بهما فيجب ان تعلم ان آدم وزوجه حواء  قد اعتذرا عن الخطأ في حق الله بالتوبة : " قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "، وكذلك  النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتذر مرتين شهيرتين أحدهما لعبد الله بن ام مكتوم (الأعمى)في واقعة اعراضه عنه بمجرد العبوس في وجهه( والذى لم يراه أصلا) ولم يخطئ في حقه كلاماً أو لفظاً، وكان درسا للنبي وللأمة بأن نهتم في تعاملاتنا مع الناس بنفس القدر غنيهم وفقيرهم لأنك لا تعلم من هو الأفضل والأزكى نفسا عند الله عز وجل ، والتي عبر القرآن عنها في سورة "عبس وتولى" وكان كلما رآه يقول:" مرحبا بمن عاتبني فيه ربى"  لنتعلم فن حساسية التعامل مع الناس ،،وفى واقعة تأبير النخل الشهيرة (تلقيح النخل) والتى أخبر النبى بعض أصحابه بظنه أن هذا لايفيد فلما امتنعوا عن التلقيح وكانت النتيجة سلبية -أيضا اعتذرلأصحابه قائلا: "فانى إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن" وحفزنا على السبق بالاعتذار فقال: "وخيرهما من يبدأ بالسلام " ومن أدب الإسلام التواضع لمن جاء يعتذر لك وان تقبل اعتذاره ولاترده ، كذلك النهى عن " الهُمَزَة" أي الإساءة الى جليسك لفظا و"اللُمَزَة" وهى الإساءة اليه بأقل حركة بالوجه أو بغمزة عين تريد أن يحتقر كلامه الاخرين " ويلٌ لكل هُمَزَةٍ لُمُزَةْ " .
وتسامح بلال مؤذن الرسول مع أبى ذر حين نعته" ياابن السوداء" وعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم "أنك امرؤٌ فيك جاهلية" وقَبِلَ بلال اعتذاره الذي كان موقف وليس بكلمة اعتذار حيث وضع خده على الأرض وطلب منه أن يضع قدمه عليه ليسامحه -ورفض بلال بخلق رفيع وقال: غفر الله لك.
فاشكر واعتذر لكل من يستحق أو ينتظر منك ذلك.. جارك ولو كان غيردينك فقد أمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه -عمرو بن العاص بالاعتذار للقبطي لأنه لطمه على وجهه وخَيّرَ القبطي في القصاص الذي يرضيه
هل علمت الآن لماذا يجب عليك الشكر والاعتذار لأنه خُلُقْ الإسلام والأنبياء والصحابة وطريق التواضع الذي يرفعك الله به الدرجات فشكرك للناس هو شكر لله واعتذارك نوع من التواضع لله وخَلْقِهِ، فاشكر، واعتذر لله قبل أن تفارق الحياة، أشكر واعتذر لأبيك وأمك قبل أن يفارقاك، أشكر وأعتذر لزوجتك وأبنائك والأقربين من حولك لتترسخ هذه الثقافة ويصفو كدر النفوس بذلك المفتاح السحري للقلوب.. تواضع فلو فكرت قليلا لوجدت حتى ماء النهر الذي لوثته بقاذوراتك، والهواء الذي لوثه عادم سيارتك وغيرهما يستحقان منك أكثرمن مجرد سبعة أحرف "شكرا" و" آسف ".. فبادر ولاتنتظر فالموضوع ليس مجرد ثقافة بل خُلُقْ ودين وقلوب تُفْتَح وتصفو.

تم نشر المقال على موقع مقال كلاود على الرابط :
https://www.makalcloud.com/post/ugzln6l2v

تعليقات