حدود بلا وطن -مقال

مرت لحظات صمت .. شاطرنى صديقى مرارة الألم فى حلقى ، ورُسِمَ على وجهينا سؤال:أين الوطن ؟! فلم تعد مشكلتنا وجود الحدود بين أجزاء الوطن ولن نستطيع ازالتها فقد بقيت بينما تاهت ومُسِخَتْ معالم الوطن !!
جال بخاطرينا أحلام الوحدة العاطفية القديمة بين مصر وسوريا، وأخرى مع السودان المسماة بوحدة وادى النيل ووحدة مصر والاردن والعراق ثم مجلس التعاون الخليجى التجمع العربى الوحيد الذى بدأ يتداعى هو الاخر!!
ننظر الى بلادنا..شرقا وغربا،شمالا وجنوبا نجد القتال والصراع
 فمن يُقاتل مَنْ ولماذا ؟
يتقاتل الجميع كلٌ من أجل هدف خاص به لذا تعددت الجيوش فى كل جزء من الوطن ، فجيش الوطن صار جيش النظام وهناك الجيش الحر والديمقراطى والاسلامى وجيش التحرير،ورفرفت رايات غريبة بكل جزء من أوطاننا فتلك سوداء وأخرى صفراء وحمراء وبيضاء بينما رايات الوطن صارت باهتة ممزقة تظهر على استحياء !!
وهكذا تركنا عدونا القديم ليأسنا وخوفنا -وظننا أنه بعيدا- بينما يتربص بناعلى الحدود ، وتفرغنا لعدونا الداخلى القريب- الذى يسلب حريتنا ويفقرنا ويظلمنا ويحارب الدين ، انه النظام الحاكم الذى يراه الفرقاء كافرا لأنه لايطبق شرع الله ، ويرونه وارثا لأنه جاء بالتوريث وليس برأيهم بانتخابات حرة والوطن ليس تركة ،ويرونه ظالما لأنه وأسرته وحاشيته يسيطرون على أغلب موارد البلاد،ويرون جيش الوطن الذى يحميهم من العدو لايفعل شيئا سوى حماية حكامهم لذا فهو جيش النظام !
وتقاتلت الجيوش التى تبحث عن الحرية والديمقراطية والعدل والاسلام -مع بعضها ومع ماأسموه جيش النظام واحترقت المدن وخُرّبَتْ الثروات ودُمِرَتْ الجيوش .
وفى النهاية فلا صارت بلادنا حرة ولا ديمقراطية ولا اسلامية ولا عَمّ أرجائها العدل . بل صارت أشلاء وطن، وماصارت الشعوب سوى فقراء .. جهلاء ، وعبيد  !
لماذا يحدث هذا الصراع الآن ولم يحدث طوال السنوات الماضية؟
يرجع جذور المشكلة لحوالى نصف قرن او يزيد قليلا حيث كانت أغلب الدول العربية تعانى من الاستعمار الأجنبى وكان حلمها الكبير فى التحرر وان يحكمها أبناء الوطن فكان الحكم أما ممالك( جمع مملكة) أو جمهوريات أشبه بالممالك تورث الحكم ، ومع اختلاف البيئات وأنظمة الحكم الا أنه لايخفى على احد ماتعانى منه الشعوب عموما من حكم قهرى أو عسكرى بشكل أو بآخر فى أغلب البلاد لايهتم بالعلم ولاالعلماء ويحارب الدين بشكل أو بآخر ففى داخل أغلب حكامنا أنه لو انتشر العلم وتثقف الشعب أو تعلم دينه بحق فلن يكون لحكمهم وجود- هكذا يعتقد أغلبهم- فتعمقت المشكلة عبر السنين وزادت جراحها ، ودخل الارسال الفضائى ، وكذلك الانترنت بعد معارضة شديدة فى البداية،وايهام الناس بأنه كارثة ستحل بأبنائهم وتدفعهم الى الفساد والانحلال الخلقى  !
واتصلت الشعوب رغما عن حكامها - بالعالم الخارجى المتحضر وتحركت العقول وحَنّتْ القلوب للحرية والديمقراطية والعدل ،وبدأ الشعور بالضجر من الظلم والقهر وبدات تظهر الحركات الثورية التى تطالب بالحرية والديمقراطية وأخرى تطالب بتطبيق الشريعة ، وتفرقت العقيدة بالحرب بين السلطة وجماعات الجهاديين والسلفيين والشيعة والاخوان والوهابيين وغيرهم ، وأُهْمِلَ التعليم ليزيد التعتيم فهرب العلماء إلى الخارج وبقى بعضهم تائهاً فى دروب الوطن يبحث عن وظيفة فلايجد واذا تظاهر مطالبا بحقه فمصيره السجن والقهر من الحاكم وسلطاته وحاشيته من أصحاب الأموال والنفوذ الذين يحتمون بالجيش وسلاحه الذى أسموه بجيش النظام !! وصارت الشعوب تشعر بألم وحسرة وكأنها فى استعمار جديد فثارت
ليس لها من دون الله كاشفة
هكذا وجدنا هذه الآية الكريمة تخطر ببالنا ففعلا الأمر صعب ومعقد، فالشعوب لن تهدأ والحكام لن يتركون كراسى العرش الذى يرون أنفسهم أجدر بها وقد عَرّضُوا أرواحهم للخطر من أجل طرد الاستعمار والتحرر منه ، فلماذا يعيش فى دور الوصيف ،ولِمَ لايكون الملك أو الرئيس فكلاهما سواء؟! ولاسيما ان أتباعهم من حملة السلاح وأصحاب رؤوس الأموال وأغلب أهل الاعلام بالميكروفونات والشاشات ، وبعض أهل القضاء وبعض اهل الدين والفتوى وغيرهم من ذوى المصالح لن يكفوا عن تأييدهم !
ولن يكف أعداؤنا عن مد كل المتصارعين بالسلاح وسيظل الأشاوس هنا وهناك يحملون السلاح فكلهم أبطال ،وكلهم حماة الوطن ،وكلهم شرفاء، وكل منهم المؤمنون حقا ومادونهم كفار ومنافقين يجب قتالهم وقتلهم ،ووقت الصلاة الجميع يصلون ويبتهلون ويدعون الله بالنصر والرحمة لشهدائهم الأبرار الذين هم بالطبع قد حجزوا منازلهم بالجنة -هكذا يعتقدون-رغم أنهم يعلمون أنه :" اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار".
لاتحزن ياصديق.." فليس لها من دون الله كاشفة" ..أَعْلَمْ ان بُكَاءَنا سيستمر فقد بكى الآباء والأجداد على ضياع وحدة الوطن واليوم نبكى على وحدة كل بلد من بلاد الوطن ،سيستمر الضياع والدمار وستكثر الرايات ويستمر الصراع طالما غاب الدين وغاب العلم وغاب العقل وغاب القائد القوى الأمين الذى يساعد كل انسان أن ينتصر على نفسه ونزواتها ، ويحتوى فكر الفرقاء بالقرآن أو بالسلطان من أجل الوطن ..فقط الوطن ، وحتى يقضى الله أمره سيظل كل منا ينظر لسقف بيته بينما أصوات الانفجارات تدوى – ولايخشى لحظة سقوط أحجاره على رأسه وأهله فلعلها شهادة عندالله أفضل من الحياة البائسة ،و ستظل بوابات الحدود والأسلاك الشائكة صامدة شاخصة العيون الى الأفق البعيد باكية ساخرة تنتظر نهاية حرب ليس فيها منتصر ، تبحث عن الوطن أو حتى رايته التى إختفت بين رايات الغرباء !!
  نشر على مقال كلاود على الرابط :
https://www.makalcloud.com/post/g1j6hyyfz

تعليقات