لن نكره الشتاء - مقال


لن نكره الشتاء- مقال بقلم/ عبده عبد الجواد
ذكروني ان عُدْتُ للحياة أن أكره الشتاء ليس لأنه يستحق الكُره بل لأن أُناساً من البشر بإهمالهم حولوه لقاتل لي ولأصحابي فقد كنت انتظره كل عام وأجرى انا واصحابي تحت رذاذ المطر نستمتع به رغم صراخ أمهاتنا ونهيها لنا عن فعل ذلك :
 " ستمرضون ويصيبكم البرد و.. و.. " !
كان ينصحنا أهلنا ولا يبالغون حتى لا نغضب لأنهم من داخلهم يشاركوننا محبته وربما كانوا في طفولتهم يفعلون نفس أفعالنا، ولكن مع تغير دورهم في الحياة من صغار إلى آباء كبار ومسئولين عنا فلابد أن يخافوا علينا وينصحونا..
تم الغاء الدراسة بعد إعلان الأرصاد الجوية عن أمطار رعدية وبرق مخيف.. قمنا في الصباح كالمعتاد وخرجت انا واصحابي لنلعب أمام منازلنا ونستمتع بالرذاذ..
لم تمر سوى لحظات.. لم نعد نسمع صوت أمهاتنا فقد بعدنا قليلا وجرينا في الشارع إلا أن تلك المسافة التي ابتعدنا بها عن بيوتنا لم تعد قريبة كما ظننا فقد تحول رذاذ المطر لسيول غمرت الشارع واضطررنا لخلع احذيتنا حتى ننطلق ولكننا لم نعد نستطيع الانطلاق فقد كُبٍلَت أقدامنا مع ارتفاع المياه في الشارع وعدم وجود وحدات صرف كما كان يحكي لي أبي عن بلادنا في الماضي...!
منزل الجيران المغلق يأتي منه صوت التليفزيون يحذر من خطورة الجو وناس تشكو الغرق لأولادها وسياراتها في الشارع ويعقب المسئول الكبير: "ليس في إمكانياتنا عمل أو إصلاح وحدات شبكة الصرف وتحمل مليارات تكلفتها من أجل عدة أيام ممطرة كل عام...! "
تتعثر أقدامنا .. نحاول المقاومة ، ونمشي بصعوبة ..نحاول العودة لبيوتنا فلا نستطيع فقد جرفتنا المياه بعيدا، وارتفعت لتغمرنصف أجسادنا.. انظر لأصحابي قلقاً ماذا سنفعل ؟! .. انبعث دخان من عمود الكهرباء بالشارع .. ارتعدت أجسادنا لم نعرف بعقولنا الصغيرة ماذا كان يحدث؟! هو شيء غير برودة المياه.. لقد كانت الكهرباء.. صعقنا تيارها وضيع صوت الرعد والسيول أصوات استغاثتنا أنا وأصحابي وضيع صوت سيول المطر العنيفة صوت نصيحة أمهاتنا...!
صعدت أصواتنا تشكو لخالقها ظلم من ظلمنا.. ربما لو عُدنا للحياة مرة أخرى نستطيع أن نحاول مقاومة فضولنا وحبنا للشتاء ورذاذ المطر.. ربما نسمع نصائح أهلنا. ربما يمهلنا القدر أن نعود لبيوتنا.. ولكننا لن نكره الشتاء بل نكره من طمس جماله بقبح جهله فظلمنا.. لن نكره الشتاء بل سنكره من جعله غادرا فقتلنا.. لن نكره الشتاء أو نترقب مغادرته بل سنترقب مغادرتهم.. لو عدنا للحياة لن نكره الشتاء فهو أيقونة عشقنا.

تعليقات