عن العشاق سألونى- مقال


عن العشاق سألونى
مقال بقلم/ عبده عبد الجواد
هل تذكرون" ياسمينا" تلك الفتاة المدهشة فى برنامج المواهب الشابة؟ قد لايعلم الكثيرون من الجيل الحالى أن أغنية" عن العشاق" التى شَدَتْ بها أنها من كلمات شاعر جميل اسمه" بيرم التونسى" وكلماتها عبارة عن خمسة أبيات غنتها ام كلثوم فى فيلم " سَلاّمة" (بتشديد اللام) عام 1944 أيام المملكة المصرية .
لقد قصدت من هذه المقدمة التاريخية الاشارة الى عدد من النقاط الهامة :
أولا: لم يُخِرج الناس -التى سمعت هذه الأغنية وقتها - معنى الاغنيةعن سياقها الأصلى
وهو حياة راعية الغنم والتى بدأت أغنيتها : "سلام الله على الأغنام"  وأكملت الاشادة بأغنامها فهى مطيعة هادئة لاتنفعل ولاتغضب بسرعة ولكنها تصبر" ولو تتشتم ولو" تنضرب" !!
ولم يفهم الناس - بأنها رسالة من الملك ( الحاكم وقتها) الى الشعب بأن يعيش كما تعيش أغنام سلاّمة فى طاعة عمياء مهما فعل الملك وحاشيته فالدنيا كانت أبسط والفن لم يكن مُوَجَهاً !!
فقد كانت وسائل التواصل قليلة أو نادرة وكانت تحت السيطرة ومن يعرف القراءة فقط هو من يعلم، فبقى الجاهل جاهلاً يأكل ويشرب كالأنعام على هامش المجتمع،وظل العالم مجتهدا يتلمس وسيلة للعلم وبقى المجتمع على قِيَمِهِ .
ثانيا: هناك أغنية أخرى- فى نفس الفيلم - خفيفة وجميلة تحمل روح الدعابة
" قولى ولاتخبيش يازين" فقد امتلأت الأغنية بما ينظرإليه البعض على أنه فتاوى حين سألوها"القَبلة حلال ولاحرام؟" فأجابت راعية الغنم " القبلة ان كانت للملهوف...يأخدها بدال الواحدة ألوف"
وعمن يقابل حبيبه الذى طال شوقه للقائه .. هل هو مذنب أم لا؟ " فقالت:" يوافى الوعد ولاينساه إن كان فيها شفاه ودواه" والأهم من كل ذلك أنه لايهتم بأحد : " ولايسمع للناس كلام ولايخشى للناس ملام"!!
وأختتم الشاعر كل هذه الآراء " وياما ذنوب يغفرها الله وربك رب قلوب " !!
سمع الجميع كل هذه الكلمات الخفيفة المرحة التى تشبه الفتاوى ولم يعتبرها أحد كذلك .. فالجميع يعلم حدود الله ولم يقل أحد أنها تعبر عن فِكْر شاعر منحرف يزدرى الدين أو قيم المجتمع ،ولم يحمل المعانى أكثر من كونها كلمات ترسم الابتسامة على الوجوه .. كم كانت الحياة بسيطة وجميلة !!
فلما زادت وسائل التواصل ،بكثير من القنوات الفضائية والاذاعية والانترنت فى مجتمعات جاهلة زاد الجاهل جهلا بل صار جزءا من منظومة نشر الجهل من إمتلاكه للقنوات أو حتى من خلال هاتفه الشخصى الحديث ولم تعد الوسائل تحت السيطرة فضاعت اللغة بين منشورات  لغة الفرانكو وأخطاء الاملاء ،وضاع الدين وضعفت العقيدة بين منشورات مغلوطة،وضاعت القيم والأخلاق بين مواقع الشواذ !! وصارالتواصل الاجتماعى ووسائله فقط لتبادل النكات ونشر الشائعات والجهل ،والقليل جدا منها يستخدم ويوجه في سبيل الله أو ينشر العلم الصحيح.
ثالثا : تواصل الأجيال والبيئة الاجتماعية :
وأعود الى ذلك البرنامج الذى بدأت الحديث به ، فلما تغنى الموهوبون فيه بالأغانى القديمة فاذا الجميع يتواصلون بها من غير قصد وجلس الشباب والشيوخ معا يستمتعون بقصة (سلامة راعية الغنم )تغنى عن العشاق -فاعترفت: " أنا فى العشق (لاأفهم)" فلما أصروا أن تغنى قالت" (سمعناهم ) يقولوا العشق حلو وآخره علقم " أى شديد المرارة.
وبقى للجيل الجديد المتعة بالاستماع لحديث العشاق وحلاوة العشق، بينما الباقين من الكبار ومن لديهم بعض العلم يغمرهم القلق ولايشعرون سوى بالمرارة من قنوات تزيد المجتمع جهلا سياسيا وفكريا وتوجهه كيفما تشاء خلف مايلقب " بالاعلامى.. أوالمفكر.. أوالباحث الاسلامى " وقنوات أخرى تضيع  منظومة القيم بأفلام هابطة ليل نهار ، وأخرى تنشر الحوادث بالتفصيل ليتقن ضعاف النفوس فن الجريمة ،وجهلاء ينشرون من هواتفهم الجهل والأكاذيب  و..و..
ومع مرور الأيام تتزايد الرغبة لدى أصحاب السلطة والمال والشهرة لبقاء الأوضاع كماهى، ويظل حوارالطرشان ولاأحد يسمع ولاأحد يفهم فالكل يظن انه يعلم والكل يتكلم ولاأحد يسمع ولاأحد يحرك قاطرة المجتمع فى مسار العلم
تملأ الأسماع والأبصار يوميا أخبارالارهاب والتطرف ،التحرش الجنسى ،والجرائم  ويتحدث المحللون ويتهمون الدين وشيوخ القنوات الدينية بكل هذا ويضربون الأمثال- وبكل فخر - لقد عشنا فى أزمان ماضية وكانت النساء تسير في الشوارع بالمينى جيب ولم يكن في مجتمعنا تحرش ، ولم يحدث الا مع انتشار الحجاب والنقاب !!
ويفتقد الجميع شجاعة سلامة راعية الغنم ولايجرؤ أيهم ان يقول على أى موضوع ( لاأفهم)  .. !!
وتمتلىء الدنيا ضجيجا بغثاء أفكاره وأخبار ليست بالأخبار ولكنها مما يتناقله الناس ويسبقوه بكلمة (سمعنا) – لكنهم لايقولون كلاماً صادقاً - كما تحدثت سلاّمة عن العشاق !
تم النشر على موقع مقال على الرابط :
http://mqqal.com/author/abdou.abdelgawad/
سلامة-العشاق-سألونى-مقالات-روائع-الفكر-عبده-عبد-الجواد

تعليقات