تأخرت أمي مع أقاربنا داخل المحل،
لقد خَرَجْت وهم يدفعون الحساب وهكذا انا لاأحب الانتظار، وأكثر كلمات امى ترددا
على سمعى:"أهدأى قليلا.. انتظرى..لاتتعجلى" وخرجت انتظرخروجهم !!
أُسْدِلَتْ ستائر الغروب على الوجود،
ونامت الشمس في مخدعها انتظاراً لنهارها الجديد واستيقظ القمر منتشيا يخطو بنوره
في احدى ليالي عٌرسِه في النصف الثاني من الشهر الهجري.
وسط الزحام لَمَحْت عيونه ترمقنى
بنظرات قلقة بينما ينظر للقمر بين الحين والآخر.. تُرى ماذا يريد هذا الشاب؟ يلفت نظري
اهتمامه.. وجدت نفسي أرفع وجهي للسماء ..حقا القمر جميل!!
ذكرنى بالسنة الأولى فى الجامعة
حين فاجأنى أحد الزملاء بوريقة داخل كشكول محاضراتى ،وقال: هذه بعض الخواطر أحب
أسمع رأيك فيها..كان شخصا رقيقاً وكانت زميلاتى يصفوه ب "عاشق القمر" والزملاء يمزحون"
مداح القمر" وكان ذلك من كثرة كتابته وحديثه عن القمر .."يامن ترون الحب
فى عيونى وشوقى وجنونى.. مازالت العيون تحتفظ بملامحه والنبض يعزف بعروقى والقلب
يَصْدُق والأيدي تتعاهد، وورودي أهديها لحبيبي.. تأملوا وجهه ، رقته ، خطواته
..ستجدون القمر ونُضْرَة البشر ".. تلك كلماته التى قرأتها يوما ولم أفهم أو
لعلى فهمت ولم أعرف ماذا أفعل ؟! وبَعُدَ عنى وابتعد غيره أيضا- ولم أفهم لماذا ؟!،
ومرت السنوات وصمتت الضحكات ، ومر عامان على انتهاء الجامعة ،وجَلَسْتُ فى منزلى
كغيرى أنتظر الوظيفة وابن الحلال !!
تنبهت.. لا أدرى لِمَ نظراته بين
الحين والآخر تُشعرني وكأنه يعرفني.. أفكر في الاقتراب منه.. لا.. ما هذه الجرأة..
مستحيل!! يحرك في هذا الشاب أفكاراً كثيرة..هذه أول مرة أراه.. ربما طاردني من
قبل؟؟ هل يحبني؟؟ هل؟ أنا مغرورة حقا ؟ ما الذي يعجبه في؟ مظهري..جمالي..لاأريد
شخصا يحبني لهذه الأشياء.. لطالما حدث معي هذا الموقف.. الكثيرون يعجبون بجمالي
وعندما يقتربون منى، يبتعدون.. ولسان حالهم يقول: مغرورة، تافهة ،ولاأجد فى نفسى
اختلافا عن صديقاتى، واهتماماتنا – التى ليس من بينها العلم والسياسة وأحوال
المجتمع ونشرات الأخبار!!
الشوارع صاخبة تعج بأصوات أناس
ذاهبين وآتين يتحدثون بالفاظ وكلمات لم أفهمهاعن الحياة والأسعارعن الفساد
والرياضة والمسلسلات و..و..أراقب تحركهم بين السيارات بلامبالاة وإحتماءً في كثرتهم..
أمسكت رأسى ..شعرت أننى أريد أن أسال عن كل شىء!! فعلا كان زميلى القديم محقا
لطالما أعطاني كتباً لم أقرأها، وقال كلمات لم أسمعها.. كان يحدثني في نواحي كثيرة
في الحياة، مثل تلك التي أسمعها من السائرين !!
بان على وجهه القلق الشديد وكان
ينظر في ساعته ثم رمقني بنظرة أخرى.. سرحت بفكري.. أترى ينتظرني أم لا؟.. لابد أن
أتغير سأقترب من هذا الشخص، سأعطيه الفرصة ليعبر عما يجول داخله، سأسمع له دون
سخرية.. سأتعلم منه.. ما المانع.. فدائما كانت أمي تقول عن أبى : " انه زوجي وأستاذي الذي أتعلم منه الحياة"
.. ملامحه تدل على أنه لايكبرنى بسنوات كثيرة ومقبول والأهم
من ذلك أننى لَفّت نظره .. نعم فنظراته ترمقنى اعجابا وأمى دائما ًتقول لأختي الكبرى التي ترفض كل من
يتقدم لها:" ياابنتى ليس هناك مشكلة طالما فرق السن لم يتجاوز عشر سنوات..
فانتم من جيل واحد.. اختارى الذي يحبك طالما كان هناك قبول فحتما سيأتي حبك له
سريعا مع الأيام "، شعرت بكلمات أمى التى-لطالما رفضتها أيام الجامعة -مقبولة
لنفسى..!!
ماالذى تغير؟ أشعر وكأن قدمي تتحرك
تجاهه.. أقترب منه.. هو حتما يطاردني من فترة وربما لم أنتبه لذلك سوى اليوم..
ربما يحبني.. سأبدأ الخطوة الأولى في تكوين شخصيتي الجديدة.. لابد أن أستفيد من تجربة
أمي وحياة أختي الخاوية من المشاعر.لابد..هممت بالاقتراب..سار فجأة تجاهى
، ولم تكن حركته من أجلى !! .. لقد
حضرت فتاته الجميلة ..صافحها بشوق شديد ..!!
اقتربْت منهما صرت خلفهما.. سمعته
يقول بلهفة :" لم تأخرت هكذا؟ انتظرتك كثيرا " !!
غرقت في بحور خجلي ، أتوارى حتى -عن
ضوء القمر،هَرْوَلْت أبحث عن أمي داخل المحل ، بينما صوت ذكرى خواطرى القديمة يعلو
أصوات السائرين ويتردد بأذني: " تأملوا وجه حبيبى ،رقته، خطواته .. سترون
القمر ونُضْرَة البشر ".
تم نشر المقال على موقع مقال كلاود على الرابط :
تعليقات